يوليو 2017 - الدُّرُّ - Addorr

فوائد حفظ القرآنِ للطفل

فوائد حفظ القران الكريم للاطفال

لو سألتَني: ما أعظمُ رجاءٍ لديك – بعد دخول الجنة – الذي إذا حققه الله لكَ، هانت بعده كلُّ أمنية؛  فإنني أجيبك من دون لحظةٍ من التفكير: إنه حفظ كتاب الله تعالى.

وإني لأثق أن رجائي هذا الأعظم – هو  نفسه – رجاؤك أنت، بلِ إنه الرجاء المشترك بين عامة المسلمين، سِوى مَنْ مَنَّ اللهُ تعالى عليه به قَبْلُ.

وسواء كنتَ من أمثالِيَ المقصرين، أو من هؤلاء السابقين؛ فلا بد أنك تسعى جاهدًا لتحفيظ ولدِك القرآنَ الكريم، أو – على الأقل – ترجوهُ لهم. أما من غفل عن ذلك الرجاء، ولم يَضَعْهُ على رأس رجاءاته في حياته؛ فيكفيني أن أُذَكِّرَ نفسي وإياه بتلك الكرامة، التي تناله حين يَحفَظُ ولدُه القرآن، فضلا عن كرامة الحافظ نفسه؛ وأترك الكلام لعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيِّ، مُحَدِّثًا عَنْ أَبِيهِ – رضي الله عنهما – يحكي:

“كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: “تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ”. قَالَ: ثُمَّ مَكَثَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: “تَعَلَّمُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ؛ فَإِنَّهُمَا الزَّهْرَاوَانِ؛ يُظِلَّانِ صَاحِبَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ غَيَايَتَانِ، أَوْ فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ؛ وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ، كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ؛ فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ؛ الْقُرْآنُ، الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ، وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ. وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ. فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ؛ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا. فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذِهِ؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجَةِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا؛ فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ؛ هَذًّا كَانَ أَوْ تَرْتِيلًا”.

والحديث رواه الإمام أحمدُ في مسنده (22441)، والدارميُّ في كِتَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ (3391)، واللفظ لأحمد، وحسَّنه البغوي في “شرح السنة”، وقال الهيثمي في “مجمع الزوائد”: رجالُه رجال الصحيح.

وقال الإمام النووي، في شرح حديث “اقْرَءُوا الْقُرْآنَ” بصحيح مسلم، من حديث أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ (804): الْغَمَامَةُ وَالْغَيَايَةُ: كُلُّ شَيْءٍ أَظَلَّ الْإِنْسَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ، مِنْ سَحَابَةٍ وَغَبَرَةٍ وَغَيْرِهِمَا. قَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ أَنَّ ثَوَابَهُمَا يَأْتِي كَغَمَامَتَيْنِ. و”فِرْقَانِ” وَفِي رِوَايَةِ أُخْرَى لمسلم “حِزْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافٍّ”: الْفِرْقَانِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ، وَالْحِزْقَانِ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ؛ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَهُمَا قَطِيعَانِ وَجَمَاعَتَانِ، يُقَالُ فِي الْوَاحِدِ: فِرْقٌ وَحِزْقٌ وَحَزِيقَةٌ، أَيْ: جَمَاعَةٌ. وفي المعجم الوسيط (ص979): هَذَّ القرآنَ يهُذُّه هَذًّا: أسرع في قراءته.

ومهما تَكُن عظمة فوائد حفظ القرآن في الدنيا؛ فإنها لا تطاول ما جاء في هذا الحديثِ وحده، فضلا عن غيره من بشريات الأحاديث الشريفة الأخرى، من تقديمه على غيره في الصلاة إمامًا، وكذا في الإمارة والرئاسة إذا أطاق حملها.

وفي مقدمة الفوائد التي يحصلها الحافظ، أن حفظ القرآن يوسع مدارك الفَهم الشرعيِّ لديه، ويضبط لغته، ويستقيم به لسانُه، فلا يكون فيه لحنٌ أو اعوجاج، بل تكون مخارج حروفه واضحة، يَفْقَهُها السامعُ دون عناء، ويجد متعةً في الاستماع إليه.

وحفظ القرآن الكريم يفتح مداركَ الحافظ لتدبرِ الآيات الكريمة، ويَزيدُه علما بقَصص الغابرين، وعلوم الدنيا والدين.

ثم إن حافظ القرآن  يحفظ نفسه به من الوقوع في المعصية؛ لأن كلام ربنا لا يجتمع مع معصيته جل وعلا، فنجده يحميه من الوقوع في الزَّلَل، ويكون له بمثابة الضابط، الرقيب على أقواله وأعماله.

وما أروع قولَ الحسن البصري، حين قيل له: فلان يحفظ القرآن؛ فقال: بل القرآنُ يحفظُه.